عاصي الرحباني

عاصي رحباني (4 مايو 1923 - 21 يونيو 1986)، واحد من اثنين شكلوا في تاريخ الموسيقى العربية ما عرف بالأخوين رحباني عاصي ومنصور رحباني.ولد عاصي وهو الشقيق الأكبر لمنصور في بلدة أنطلياس بلبنان، ووالدهما هو حنا إلياس رحباني. قدم مع أخيه منصور عدد كبير من الأعمال الغنائية والمسرحية تحت اسم الأخوين رحباني. تزوج عاصي من الفنانه فيروز حيث تم اكليلهما في عام 1954 ومن أشهر أولادهم المؤلف و الملحن زياد رحباني. أصيب في عام 1982 بنزيف حاد في الدماغ و اجريت له عملية ناجحة و كانت مسرحية المحطة أول عمل مسرحي له بعد الشفاء. في عام
1979 انفصل عن زوجته فيروز. في 21 يونيو 1986 توفي عن عمر 63 عاماً

البداية كانت من قرية انطلياس، شمال بيروت، حيث ولد عاصي الرحباني عام 1923. والده حنا استقر في هذه البلدة هربا من حكم عثماني بالاعدام، وافتتح مطعما شعبيا. كان يعزف فيه على البزق ويسمع الرواد اغاني أم كلثوم وعبد الوهاب وسيد درويش وأمين حسين وغيرهم من مطربي ذلك الزمن. وكان عاصي وشقيقه منصور الذي يصغره بعامين، يتسللان ليعيشا أجواء الطرب، فيغض الوالد الطرف على رغم تشدده وتحفظه لجهة السلوك والاخلاق. وعدا الغناء كان للطبيعة دورها في تنشئة الولدين، اذ كان لوعورة المنطقة ولمناخها بفصوله وأمطاره وعواصفه ورعوده وربيعه ونسائمه تأثير في اعمالهما. اما حكايات الجدة عن الاساطير والابطال وعالم الجن والشاطر حسن فهي المدخل الى عوالم القصيدة والمسرح في المسيرة الرحبانية.

تدهور اوضاع الاسرة الاقتصادي قوض مسيرة عاصي المدرسية، فعمل ومنصور في قطاف الليمون وخصصا وقتا أطول لمساعدة والدهما. لكن ذلك لم يحل دون اهتمام بالأدب والفن برز مع عاصي من خلال تأسيسه وهو في الرابعة عشرة مجلة اسمها «الحرشاية» (الغابة الصغيرة) كان يحرر صفحاتها ويوقعها بأسماء مستعارة. كتب فيها القصائد والقصص المسلسلة. وكان يدور على بيوت انطلياس ليقرأها لجمهوره الصغير في نهاية كل اسبوع. ومن يطلع على محتوى هذه المجلة يمكنه ان يستشف شخصيات العمل الرحباني التي عادت تطل في المسرحيات والاستكشات والحوارات الفكاهية والطريفة التي مزجت السخرية بالنقد الاجتماعي والسياسي القارص.

رحلة الأنغام بدأها عاصي بمبادرته الشخصية اذ تعلم العزف على البزق بمفرده. مع الاب بولس الاشقر اكتسبت الرحلة تقنيات علمية تتعلق باصول الموسيقى.

الصدفة رزقته عشر ليرات وجدها على ارض المطعم، فاشترى كمانا وصار يعزف عليه بالاضافة الى متابعته دروس الاب بولس ونهله تاريخ الهارموني والموسيقى الشرقية من مكتبته النادرة.

وقبل بلوغهما سن الرشد اسس عاصي «نادي انطلياس الثقافي»، حاولا من خلاله تقديم بعض النشاطات الثقافية والفنية والاجتماعية بمساعدة شباب البلدة. قدما حفلات غنائية، ثم حاولا تأليف مسرحية ووضع الالحان المناسبة لها، وكانت باكورتهما «وفاء العرب» التي ادى فيها عاصي دور الملك النعمان ومنصور دور حنظلة.

عام 1944 دخل عاصي ومنصور مرحلة الاحتراف حيث بدآ تقديم مسرحيات غنائية طويلة ونظم اغنيات شعرا ولحنا وتسجيل حضور فني في اذاعة دمشق واذاعة الشرق الادنى. لكن النمط الجديد الذي قدماه لم يؤت ثمارا تكفي لتأمين موارد العيش للعائلة. فانخرط عاصي في سلك البوليس بعد ما اضطر لتكبير سنه ليصبح راشدا ويحق له العمل ولحقه منصور بعد فترة.

لكن السلك العسكري لم يضبط الشقيقين اللذين كان يتنكران ويهربان من العمل ليتابعا شغفهما الفني.

بعد الحرب العالمية الثانية قرر عاصي ان يحترف جديا هذه المرة. طرق باب الاذاعة اللبنانية، كان اسمها آنذاك اذاعة الشرق الادنى، وبالطبع برفقته منصور وقدم الاثنان افكارها الطليعية آنذاك. فخاف منها فريق الاذاعة التقليدي، مما اضطر عاصي للاستعانة بشقيقته سلوى لتغني الاعمال الرحبانية الناشئة متخذة اسم نجوى. عن تلك المرحلة يقول منصور: «جئنا بتفكير شعري وبموسيقى مغايرة. صحيح اننا تأثرنا بسيد درويش وغيره من رواد ذلك الزمن، لكن عندما جئنا لنكتب كتبنا لغتنا الخاصة». شيئا فشيئا بدأت اعمال الاخوين رحباني تحتل مكانتها الفنية للعاملين في الاذاعة، ومع انتقالها الى بيروت شهدت هذه الاعمال انتشارا اوسع. لكن المحطة الاهم بدأت مع لقاء عاصي صبية في كورس الاذاعة هي فيروز، وقدمها اليه الفنان الراحل حليم الرومي. اكتمل عقد المؤسسة الرحبانية بهذا اللقاء، الذي اثمر مسيرة دمغت التاريخ الفني وزواجا منح الشراكة الفنية حضنا عائليا

واثمرت هذه المؤسسة تربية فنية وثقافية معاصرة لاجيال صارت اليفة مع أشعار تخرج من الحياة العادية لتعاود اقتحامها، فحفظت قصائد تؤرشف الاحاسيس ببراءة ومكر، تقول ما نريد ان نسمعه ونقوله، تصير صدانا او نصير صداها، لا فرق، المهم ان العالم الرحباني ارسل اشارته الى وجدان المستمعين فتلاعب بقلوبهم ونسج احلامهم، ليصير الحب رحبانيا، كذلك الحزن والشجن والوصل والفراق. منا لم يردد: «امس انتهينا فلا كنا ولا كانا يا صاحب الوعد خل الوعد نسيانا». ومن منا لم يحلم بحبيبه ويقول: «يا ريت انت وانا بالبيت شي بيت ابعد بيت ممحي ورا حدود العتم والريح والثلج نازل بالدني تجريح تضيع طرقك ما تعود تفل وتضل حدي تضل وما يضل بالقنديل نقطة زيت». ومن كان يجرؤ قبل الرحابنة أن يقول لحبيبه: «يا حلو شو بخاف اني ضيعك» او يطلب اليه متوسلا: «عملني مثل خاتم ذهب باصبعك خذني الى قلبك معك»، او ينتشي فيغني: «انا لحبيبي وحبيبي الي».

وأحيانا كان يطيب لعاصي ان يستعرض مواهبه في اقل قدر من الكلمات فيؤلف مشهدا مكتمل العناصر الفنية للقصة في مقطع اغنية، كما في اغنية «الله معك يا هوانا»، حيث يبدأ المقطع بمقدمة تصف المكان وتعرض العقدة وتقدم الحل، فتقول فيروز: «ضحك وليل وسهرية عيد وكل الناس حوالي وعم فتش انا عن حب جديد والكل عيونن علي ويتطل بيوقع مني الكأس وحدي اللي بشوفك بين الناس من بين الكل بتسرقني وبثلج الماضي بتحرقني».

ولم يكن يتعب عاصي لكنه بقي يجرب. ولم يكن يؤمن بالوصول الى الكمال في العمل الفني فهو القائل: «العمل الفني الكامل اسطورة. ليس هناك عمل فني يمكن ان يخلو من الاخطاء، ولو وجد مثل هذا العمل لكفّ صاحبه عن انتاج شيء بعده، ما دام قد وصل الى الكمال. المبدع محكوم بالعجز عملا بعد آخر». وهو الذي اراد للأغنية «ان تدخل بيوت الناس كالنسمة، كالضوء والشمس»، وأن تساهم في بناء نفوس الناس، وهو الذي اعتمد القسوة مقياسا على حساب العاطفة لأن «الفن أكبر من الحب»، وهو الذي مشى في دروب الحياة برفقة القلق الذي لم يعرف مصدره، ينتابه حزن عميق يشبه البكاء ينبع من الداخل ولا يستطيع احد ان يبلغ سره، ويسكنه هدير قوض له مسيرته بمرض كسر عطاءاته حتى قال: «أمنيتي الوحيدة ان يتقدم الطب ليخلصني من الهدير الذي يرافقني، لانني لا استطيع ان اعيش دقيقة واحدة بلا تلحين وعطاء».

كذلك المؤسسة الرحبانية لم تعش دقيقة واحدة بعد عاصي. صار هناك منصور وفيروز وزياد والياس واسامة وغسان وباقي العنقود الرحباني. لكنهم صاروا افرادا
يجمعهم الاسم ويتميز ابداع الواحد منهم عن الآخر بخصوصية تفتقر الى مؤسسة، تدمغ التاريخ الفني كما كانت الحال مع عاصي

في عام 1979 قدم الاخوان رحباني آخر حفلاتهما مع فيروز على مسرح الاولمبيا في باريس. ثم كان
الانفصال بين عاصي وفيروز. ولتبدأ فيروز حياتها الفنية المستقلة.

في عام 1980 قدم الاخوان رحباني أولى مسرحياتهما بعد الانفصال عن فيروز بعنوان "المؤامرة مستمرة" بطولة رونزا وملحم بركات.
ثم تبعتها مسرحية اخرى في العام 1984 بعنوان "الربيع السابع" أيضا مع رونزا وملحم بركات. وكانت تلك المسرحية سببا في إرهاق عاصي وتدهور صحته وليدخل حالة الغيبوبة حتى سلم أنفاسه الاخيرة في صباح الحادي والعشرين من حزيران 1986
نحنا والقمر جيران .....


نحنا والقمر جيران ..... تلك هي أغنية عاصي الرحباني الذي فارقنا في صبيحة يوم السبت 21 حزيران 1986، بينما كانت فيروز تنشد "نحنا والقمر جيران" بتوزيع جديد من قبل زياد الرحباني على مسرح "رويال ألبرت هول" في لندن. تلك الاغنية الخالدة التي حوربت وقتها على أنها غربية أو غريبة (لافرق) .... لتصبح بعد نصف قرن أهم ما في تراثنا العربي! فهي بسيطة ... شرقية وشعبية ... وعالمية ... يمكن غناؤها بأي لغة غربية ... يمكن عزفها بآلات أخرى وكيفما كان الاحساس فستظل هي، كأنها إمراة تليق بها جميع الازياء (زياد الرحباني).

إنها أغنية تأبى أن تكبر ... فهي تولد معك مع كل إستماع ... فإن لم تكن "نحنا والقمر جيران" فهي "حبيتك بالصيف" أو "شادي" أو "نسّم علينا الهوى" أو "شايف البحر شو كبير" أو "بكتب إسمك ياحبيبي" أو "سني عن سني" أو "في قهوة عالمفرق" أو "شتي يا دني" أو "يا طير" أو "يا جبل للي بعيد" أو "هيلا يا واسع" أو "راجعين يا هوى" أو "آخر إيام الصيفية" أو "زهرة المدائن" أو "بحبك يا لبنان" أو غيرها من مئات الاغاني التي أنشدتها السيدة فيروز.

تمر علينا ذكرى الرحيل ونحن مازلنا نؤمن بأن "الايام للي جايي فيها الشمس مخباية" رغم ان بيروت اخذوا منها "الحب" وتركوا لها "الاسى" و بغداد هجرها "شعراؤها" وأحرقوا "صورها" و"طرقاتها للي غطاها الشوك والاعشاب البرية" وأهالي فلسطين الذين نسينا أنهم أعطونا "مزهرية" وقالوا لنا "هيدي هديه من الناس الناطرين" حتى "نزوبع بهالضماير" و"نخبرهن عللي صاير بلكي بيوعى الضمير" ..... وهناك مصر التي يكاد يغلبها اليأس والنعاس وهي تنتظر عودة "شمسها الذهب" أم الشام التي نسيت من "كللها" بعشرات من النغم الخالد!ف"يا نبع الينابيع ... يا سيد العطايا" ساعدنا قبل أن "يضيعنا الضباب" فمن غيرك نحن "وحيدين" في "ليالي الشمال الحزينة" ألا من أغنية فيروز وعاصي ومنصور الرحباني التي ستظل قنديل سهرتنا ورفيقة مشاويرنا.

اموله يسلمو على هيك اخبار عينى

merciii amoula

merciiiiiiiii amoula

chokran ktir amoula

merci amoul

merciiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiii